الصيام وانخفاض المزاج
إن من أسباب تعكّر مزاج بعض الصائمين وانخفاض معنوياتهم عند الصيام وجود قدر من القلق النفسي لديهم، والخوف الغامض من أن يعانوا من امتناعهم عن الطعام والشراب، وأن عليهم الانتظار إلى المغرب، وهذا القلق لا داعي له طالما أن الصائم يستطيع أن يفطر متى بلغ به الجهد حدًا لا يطيقه، وله أن يفطر إن أصابه من الألم أو المرض ما يستلزم تناوله للأدوية؛ سواء منها المسكنة للألم أو المعالجة للداء، والرخصة قائمة، والصائم حر في الأخذ بها، طالما أن مرضه لا يشكل فيه الصيام ضررًا على صحته، فالله لم يجعل علينا في ديننا أي نوع من أنواع الحرج، أما إن كان الصيام يؤدي إلى الضرر بسبب المرض الموجود صار الإفطار واجبًا، وليس مجرد رخصة، فعلينا أن نستعين بالله، ونصوم ونحن مرتاحو البال إلى أننا لو بلغت معاناتنا من صيامنا حدًا مؤلمًا فإن الله بنا رحيم، ولنا في رخصته راحة ومخرج؛ وعادة لا يبلغ الجهد بالصائم حدًا يضطره إلى الإفطار إلا في حالات خاصة، كالذي تعرّض للحر، فيعطش عطشًا شديدًا، وكان ضعيفًا وفاته السحور، وآذته عضات الجوع في معدته، وما شابه ذلك من حالات، وحد المشقة والحرج صعب التحديد، إنما هي تقوى المؤمن، فالله عليم بخفايا النفوس، أما أطفالنا فعلينا ألا نشدد عليهم إن لاحظنا أن الجوع أو العطش قد آذاهم، فإن إصرارنا عليهم كي يتموا صومهم قد يولد في نفوسهم الكراهية لهذه العبادة الرائعة، وقد يدفعهم إلى الفطر خلسة، ويتعلموا بذلك الكذب والغش.
ومن أسباب انخفاض المزاج والتكاسل عن العمل في رمضان أن بعض الصائمين ينفقون الليل في السمر والأكل والشرب، حتى إذا اقترب الفجر تسحروا وناموا، لكن الساعات الباقية لهم حتى موعد العمل لا تكفيهم كي يستعيدوا نشاطهم، فيذهبون إلى أعمالهم مرهقين، وتكون ساعات العمل بالنسبة لهم شاقة ومزعجة، وذلك نتيجة نقص النوم، وليس نتيجة للصيام.