الصيام وسوء الخلق
لقد فرض الله علينا الصيام في رمضان ليقربنا إلى التقوى وليدخلنا فيها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وكظم الغيظ والعفو عن الناس من أساسيات التقوى التي يهدف إليها الصيام. قال تعالى معددًا بعض صفات المتقين: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وقد علّمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نقول إن تعرضنا لجهل جاهل علينا، أو سابنا أو شادنا أحد: "إني صائم، إني صائم"؛ وذلك كي نصبر ونملك أنفسنا، فلا نردّ على المسبة بمثلها، ولا ندخل في شجار أو مشادة، فالصائم في عبادة، والعابد وقت العبادة يترفع عن أن يردّ على من يشتمه أو يشاده، وفي رمضان تتحسن أخلاق المتقين، لكن بعضنا يصبح نكد المزاج، ويغضب لأتفه الأسباب، ولا يبدي أي استعداد لتحمل الناس، ولا يقوم على خدمتهم، حتى لو كان ذلك مهنته ووظيفته، فهو صائم ولا صبر لديه، ثم إنه يقل إنتاجه في عمله إلى حد كبير، لأنه كما يقول: صائم! فهل يا ترى يتسبب الصيام بكل هذا؟ وكيف يتسبب بذلك، وكظم الغيظ والعفو عن الناس من أخلاق التقوى وأين الخلل إذن؟
صحيح أن الجوع والعطش قد يجعلان الإنسان عصبي المزاج قليلاً، وذلك إذا اشتدا كثيرًا، وهذا لا ينطبق على الموظف الحكومي الصائم، الذي تبدأ عصبيته وكسله منذ الساعة الثامنة صباحًا، ولا يمكن للصائم أن يحتج بالجوع والعطش منذ الصباح، ليبرر سوء خلقه مع الناس، إن السبب الحقيقي لسوء أخلاق بعض الصائمين في رمضان هو أنهم يجدون العذر والمبرر بأنهم صائمون كي يظهروا أخلاقهم السيئة ويعبروا عنها، ويمارسوها وهم مطمئنون إلى أن المجتمع سيتحمل سوء أخلاقهم، ويغفر لهم ذلك، فهم صائمون، وعلى الناس تحمل طباعهم السيئة، مقابل أنهم تكرّموا علينا فصاموا، وكأنما هم صاموا لنا ولم يصوموا لله، الذي وعد على الصيام ما لم يعد على سواه، إنهم يتبعون أنفسهم هواها، وينصرفون وفق الأخلاق السيئة التي لو أتيح لهم لكانت هي أخلاقهم في الصيام وبعد الصيام.