أهمية الأخلاق في حياة البشر
إن أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية لا يستطيع أفراده أن يعيشوا متفاهمين سعداء ما لم تربط بينهم روابط متينة من الأخلاق الكريمة .
ولو فرضنا وجود مجتمع من المجتمعات على أساس تبادل المنافع المادية فقط ، من غير أن يكون وراء ذلك غرض أسمى ، فإنه لا بد لسلامة هذا المجتمع من خلقي الثقة والأمانة على أقل التقدير .
فمكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية لا يستغني عنها مجتمع من المجتمعات ، ومتى فقدت الأخلاق التي هي الوسيط الذي لا بد منه لانسجام الإنسان مع أخيه الإنسان ، تفكك أفراد المجتمع ، وتصارعوا ، وتناهبوا مصالحهم ، ثم أدى بهم ذلك إلى الانهيار ثم الدمار .
فإذا كانت الأخلاق ضرورة في نظر المذاهب والفلسفات الأخرى فهي في نظر الإسلام أكثر ضرورة وأهمية ، ولهذا فقد جعلها مناط الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة ، فهو يعاقب الناس بالهلاك في الدنيا لفساد أخلاقهم .
قال تعالى : وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وقال تعالى : وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ بل إن الإسلام يخضع الأعمال العلمية للمبادئ الأخلاقية ، سواء كان ذلك في مجال البحث أو في مجال النشر لتوصيله للناس . ولقد أهتم الإسلام بالأخلاق لأنها أمر لا بد منه لدوام الحياة الاجتماعية وتقدمها من الناحيتين المادية والمعنوية ، فالإنسان -دائما -بحاجة ماسة إلى نظام خلقي يحقق حاجته الاجتماعية ، ويحول دون ميوله ونزعاته الشريرة ويوجهه إلى استخدام قواه في مجالات يعود نفعها عليه وعلى غيره . إن الإسلام يدرك تمام الإدراك ماذا يحدث لو أهملت المبادئ الأخلاقية في المجتمع ، وساد فيه الخيانة والغش ، والكذب والسرقة ، وسفك الدماء ، والتعدي على الحرمات والحقوق بكل أنواعها ، وتلاشت المعاني الإنسانية في علاقات الناس ، فلا محبة ولا مودة ، ولا نزاهة ولا تعاون ، ولا تراحم ولا إخلاص . إنه بلا شك سيكون المجتمع جحيما لا يطاق ، ولا يمكن للحياة أن تدوم فيه ، لأن الإنسان بطبعه محتاج إلى الغير ، وبطبعه ينزع إلى التسلط والتجبر والأنانية والانتقام .
قال تعالى : وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ لذا جاء الإسلام بأسس ومعايير يتحتم علينا السير وفقا لها وهي ليست أسسا ومعايير وضعية ، وإنما وحي يوحى على هيئة أوامر ونواه ومباحات ومحظورات فمن أطاع الله أثابه ومن عصاه عاقبه . وتمتاز الأخلاق الإسلامية بأنها واقعية عملية وليست مثالية ، كما أنها تؤكد حرية الإنسان واختياره ومسئوليته عن فعله ، وتتميز أيضا بأنها إيجابية شاملة بعيدة عن الانحراف والغلو ، وهي بذلك صالحة لكل زمان ومكان . كما أن الإسلام شرع أحكاما لحماية المجتمع من التردي الخلقي الذي يؤدى إلى الهلاك ، وذلك واضح في العقوبات الحدية والتعزيرية .